نعلم جميعاً أن الاتصال الفعال إحدى الأدوات التي تعوِّل عليها المؤسسات لتحقيق أهدافها بجودة عالية، إلا أن الأمر يتجاوز مرحلة العلم إلى مرحلة الوعي من جانب الإدارة العليا بأهمية الاتصال الفعال على المستويات الإدارية كافة داخل المؤسسة، وداخل المستوى الإداري الواحد بكل الأطراف المؤثرة والمتأثرة بالمهام الوظيفية لهذا المستوى.
الإدارة العليا داخل المؤسسات مسؤولة مسؤولية كاملة عن تحديد ما يُعرف بالتواصل الناجح داخل المؤسسة، وأنواعه، والوقوف على المعوقات التي تعوق استخدامه كأداة مؤثرة نحو تحقيق الأهداف، وذلك للعمل على تلافيها، مع الحرص بصفة مستمرة على توفير بيئة دائمة داخل المؤسسة تدعم الاتصال الفعال وتحوله إلى ثقافة راسخة لا تتغير مع أية تغييرات أخرى تحدث داخل المؤسسة.
يتحول الاتصال الفعال إلى ثقافة عمل، ليس فقط بالبرامج التدريبية التي تنظمها المؤسسات للعاملين فيها، وإنما بالممارسة الفعلية على أرض الواقع من المستويات الإدارية العليا بالمؤسسة من خلال تواصلها مع المعنيين بمشكلة أو قرار معين مطلوب اتخاذه وطلب مشاركتهم من خلال حضورهم اجتماعاً أو ورشة عمل معنية بمناقشة هذه المشكلة، وذلك قبل إصدار القرارات الخاصة بها.
ممارسة الإدارة العليا للتواصل الفعال ليست كلمة، وإنما موقف يظهر جلياً عندما تصدر إدارة المؤسسة قراراً معيناً، فتكون الجملة الأولى في هذا القرار: "بالإشارة إلى الاجتماع الذي تم اليوم بمكتب مدير عام الشركة، وحضره جميع العاملين بإدارة ... لمناقشة مشكلة ... ، وبالإشارة إلى وجهات النظر التي عُرضت خلال هذا اللقاء، فقد تقرر ... ".
أيضاً، إذا تقدم مدير إحدى الإدارات بالشركة بمشكلة ما إلى مدير عام الشركة، فإنه يتعين على الثاني الوقوف على ما قام به الأول من تواصل مع جميع المعنيين بالمشكلة، وإذا تبين عدم تنفيذ ذلك فإنه يتعين على المدير العام إنهاء الحوار لحين إتمام كل ما يلزم من تواصل مع المعنيين. التواصل وسيلة نهدف بها إلى جمع أكبر قدر من المعلومات والوقوف على آراء الأطراف المعنية بموضوع معين والتنسيق معهم، ومن ثم يصبح المناخ مناسباً لاتخاذ القرار المناسب.
قد يحسب البعض أن التواصل بالنسبة إلى المدير سيستحوذ على أكثر من نصف يوم العمل، ونحن نؤكد ذلك تماماً، ونؤكد أيضاً أن الإداري الناجح هو من يقضي معظم وقته في التواصل لأن ذلك يعني القدرة على اتخاذ قرارات مدروسة ودون عناء وبأقل تكلفة، فالاتصال الفعال هو أحد الأركان الأساسية التي يعول عليها القائد في ممارسة مهامه، وبخاصة داخل المؤسسات الكبيرة.
التواصل يلزمه توافر مناخ مناسب لضمان تحقيق الهدف من الاتصال، حيث يتعين عدم مناقشة موضوع، أو اتخاذ قرار وأنت في حالة غضب، أو ليس لديك وقت كافٍ لمثل هذا التواصل، أو أنك مكره على إجراء هذا التواصل، لأن ذلك يعني استحالة الحصول على معلومات، أو نتائج إيجابية من وراء هذا التواصل.
من الأركان المهمة أيضاً التي يجب أن نركز عليها لتحقيق أفضل نتيجة من خلال التواصل هو اختيار الوسيلة المناسبة، وتختلف تلك الوسيلة حسب الموضوع، فقد نلجأ إلى كتابة خطاب أو تقرير أو يكون التواصل هاتفياً أو من خلال لقاء مباشر. استخدام وسيلة غير مناسبة معناه الحصول على نتائج سلبية من هذا التواصل، الأمر الذي يجعلنا نعيد إجراءات التواصل من البداية لشرح وجهات النظر، وتحقيق الهدف المنشود من وراء التواصل.
يجب ألا نغفل أيضاً اختيار الشخص المناسب للتواصل في حالة كون الموضوع تُعنى به إدارة بعينها لها هيكل إداري. يجب القيام بتحديد دقيق لا يقبل اللبس للشخص الذي يتعين عليه القيام بهذا التواصل، مع تحديد الشخص، أو المستوى الإداري في الجانب الآخر الذي يجب التواصل معه. إذن، لدينا الآن تحديد دقيق للشخص الذي سيقوم بالتواصل من مؤسستنا، والشخص لدى الجانب الآخر، والموضوع محل التواصل، والمدة التي يجب الانتهاء من التواصل خلالها.
بما أنه معلوم لدى الجميع أهمية توافر مهارة الاتصال لدى الموظف في المستويات الإدارية كافة، ووجود عديد من المراكز المتخصصة في تدريب الموظفين على مهارة الاتصال، فإنه يتبقى الاهتمام من قِبل أصحاب المؤسسات والإدارات العليا بنشر ثقافة التواصل وترسيخها داخل المؤسسة لتحقيق أقصى استفادة من المهارة التي يتحلى بها فريق العمل، والتي سيكون لها مردود إيجابي على كلفة التشغيل وتحقيق الأهداف على المديين القصير والبعيد.
الثلاثاء أغسطس 15, 2017 7:59 pm