مع
تطور التجارة واحتدام المنافسة في الأسواق، فإن الاهتمام بالزبون أو
العميل أصبح من المقومات الأساسية والضرورية لأي شركة أو مؤسسة تجارية.
وأصبح العميل يمثل كذلك أحد أهم العناصر التي تستند عليها المؤسسات
التجارية في وضع وتطوير خططها التسويقية.
ولا يكفي فقط إنفاق الملايين من الدولارات في إجراء أبحاث ودراسات
التسويق التي تهدف إلى رؤية أفكار وتوجهات الزبائن التجارية إنما الأمر
يتطلب المزيد من إقحام الزبون أو العميل في مجمل الخطط والعمليات
التسويقية.
ويرى جيروم كونان مدير التسويق في شركة (نايك وستاربكس) أن أغلب
الشركات والمؤسسات التجارية وبالرغم من أنها تدفع ملايين الدولارات سنويا
من أجل دراسة توجهات الزبائن وإجراء بحوث التسويق فهي لا تفلح في الوصول
إلى النتائج التسويقية المناسبة، حيث يقول" إن الوسطاء غير الماهرين يميلون
إلى طرح الأسئلة لدرجة أن العملاء يجيبون بما يعتقدون أن الوسطاء يريدون
سماعه، كما أن أغلب الاستبيانات لا تسمح للشركات الاستماع إلى تعليقات
عملائهم. فأغلب الزبائن يواجهون دائماً السؤال بأسلوب نعم أو لا،وهي
الطريقة التي لا تسمح لهم بالإدلاء بآرائهم بصورة مباشرة وجيدة، ولهذا
السبب فإن الاستبيانات لا يمكن أن تكون الوسيلة الوحيدة لمعرفة ما يريده
العملاء.
ربما لا يتطلب الاستماع الفعال دائما أجراء استبيانات عامة، ولكن
يتطلب مبادئ تتلخص في ضرورة أن تستمتع بحرص إلى ما يقوله العملاء، لأنه من
المهم أن تميز وتعرف أن المكان الذي تستمع فيه إلى العملاء هو أهم بكثير من
طريقة استماعك إليهم، كما أن العميل الذي تستمع إليه مهم تماما مثل المكان
الذي تستمع فيه إليه، وأفضل كلمات الاستماع هي عندما تعطي العميل شيئا
ليتحدث عنه.
وإذا كنت تؤمن أن الاستماع إلى العملاء هو واحد من أهم الأعمال الحساسة
والضرورية لمؤسستك فإن الاستماع الجيد سيصبح مهارة مطلوبة لكل شخص، كما أن
المكان الذي تستمع فيه إلى العملاء هو مهم تماماً مثل طريقة الاستماع، لذا
فإن شركات كثيرة تدعو العملاء إلى مكاتبها الرئيسية للتقرب منهم ولمعرفة
آرائهم حول المنتجات الحالية أو المستقبلية، وليس من الخطأ أن تدعو عملاءك
إليك ولكن إذا أردت أن تستمع إلى وجهات نظر أكثر قوة فعليك أن تذهب أنت إلى
عملائك.
فالاستماع للعملاء في بيئتهم الخاصة يكون عادة أكثر عفوية وأكثر صراحة
من تلك الآراء التي ستحصل عليها من دعوتهم ووضعهم في جلسة يمكن التحكم بما
سيجري فيها، والطب مجال مشهور بطريقته التقليدية في التفاعل مع العملاء،
والطبيب ميشيل ريتش، البالغ من العمر 46 عاما المتخصص في طب المراهقين في
مستشفى الأطفال في بوسطن، لا يرتدي المعطف الأبيض الخاص بالأطباء ولا يروع
أو يطرد المرضى بصراخه العالي بعد 15 دقيقة من دخولهم المستشفى، إضافة إلى
ذلك فإن الدكتور ريتش لا يفترض أن يعرف كل شيء، أو لديه القدر على الإجابة
على كل الأسئلة لكونه فقط طبيباً.
ويضيف ريتش بقوله "إن الطب مجال نقوم من خلاله بخدمة الغير، وكأطباء
نمتنع عادة وللأسف الشديد عن تلقي وكسب المعلومات التي غالباً ما نحتاجها
لخدمة مرضانا، إننا بحاجة لأن نصغي إلى مرضانا وهم في محيط عملهم، إنهم
الخبراء بالنسبة لنا لكونهم يتعايشون مع المرض كل يوم إلى أن يتم شفاؤهم،
وهكذا نستطيع التعلم منهم".
ولهذا فإن الدكتور ريتش يعطي مرضاه المصابين بالربو كاميرات فيديو
لتسجيل كل ما يعانون منه والطريقة التي يعيشون فيها، كما أن كاميرات
الفيديو تجعل الأطفال يتحدثون عن الأمور المتعلقة بهم عندما يشعرون أنهم
مرتاحون، والفرق بين ما يخبره به المرضى وبين ما يقولونه على شريط الفيديو
هو فرق واضح ومميز، فالتسجيل بالفيديو يعطى تقريراً صادقاً عن المواد
المسببة للحساسية والربو، إضافة إلى أنها تسمح بمعرفة ما إذا كان المريض
يأخذ علاجه بشكل صحيح أم لا.
وأوضحت دراسة أجريت حديثاً لإثبات جدوى استخدام كاميرات الفيديو على 21
شريط فيديو، تبين منها أن 16 مريضاً من 21 كانوا يتناولون العلاج بشكل
خاطئ، فيما كان البعض الآخر، لم تحدد نسبته، مفرطاً في العلاج، في حين
انقطع البعض الآخر تماماً عن تناول الدواء.
وبالنسبة لأغلب
الأطباء فإن مسألة الاستماع بذكاء للمرضى يمكن أن تكون مسألة حياة أو موت،
لكنها بالنسبة لبعض الأشخاص أو المؤسسات ليس مسالة إنقاذ من الموت،
فالعملاء ليسوا متساوين ، فمنهم لديه تأثير أكبر على عملاء آخرين.
والسؤال الآن هو : هل يتوجب على الشركات أن تعرف وتحدد زبائنها الذين لا
يستطيعون إقناعهم بسهولة بمنتجاتها، وأن يكشفوا الشيء الذي يريده هؤلاء
العملاء ومن ثم تأمين ما يطلبونه.
لقد نجحت هذه الطريقة في شركة بورتون المتخصصة في إنتاج أفضل أنواع
أدوات التزلج وأكثرها شهرة في عالم الرياضة والأسرع نمواً في العالم، حيث
تمكنت الشركة من بيع كل إنتاجها، لكون الشركة تمكنت من اكتشاف ما يفكر فيه
العملاء تجاه أدوات التزلج، وحولت اهتمامها إلى هؤلاء العملاء بشكل مختلف
تماماً عن الأساليب المختلفة التي تتبعها الشركات الأخرى، وارتفعت أسهم
(بورتون) في تلك الفترة من 30 % إلى 40%.
وأثبتت الدراسات أن العملاء يعبرون عن أنفسهم حينما يحاول أحد أن يكتشف
ما يريدون قوله، منها الذهاب إلى ما وراء تلك الحلقة التمهيدية من
المعلومات، وهي الاستماع بشكل أكثر اهتماما وأكثر عمقاً وأن الطريقة الأخرى
هي أن تقوم بإعطاء المستهلك أو العميل أشياء أكثر ليتحدث عنها.
إنها
الفلسفة المتبعة في بعض الشركات الأمريكية التي تمتلك رؤوس أموال ضخمة،
حيث تسرع في أداء ونمط أعمالها فقط عندما يسرع عملاؤها في التعبير عن
آرائهم في منتجاتها.
إذا فالاستماع الجيد للعميل أمر له مردوده
الاقتصادي المباشر بالنسبة للمؤسسات التجارية، فالمؤسسة التجارية التي تنجح
في الاستماع إلى أفكار زباينها وتقوم بدراستها وتحليلها هي التي تكون أقرب
إليهم وأكثر تلبية لمتطلباتهم وبالتالي أكثر إقناعا في عرض منتجها
التجاري.
--
bab.com - الرياض- أحمد الخالد