[url=
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] للأسف، أصبحت مقولة: "التدريب مهنة من لا مهنة له" شائعة لدرجة أن بعضنا صار يتعامل معها كواقع نعايشه ونتعامل معه شئنا أم أبينا. ليس هناك شك في أن هذا الواقع مؤلم لأن "مهنة" التدريب لها قواعدها وأخلاقياتها، وليست هواية يمارسها كل من هب ودب بطريقته الخاصة. ومما يزيد هذه المهنة شرفًا هو أنها مهنة الأنبياء والرسل؛ حيث لم تقتصر رسالتهم الإلهية على إعطاء المعلومة فقط، بل تجاوزت ذلك إلى التطبيق الفعلي والممارسات الحسية، وصولاً إلى تغيير القناعات، وهذا هو الجانب الأصعب في المنظومة التدريبية. ولهذا علينا جميعًا أفرادًا ومؤسساتٍ، بذل جهد أكبر للتعريف بهذه المهنة النبيلة، وخلق كوادر مبدعة ومؤهلة للقيام بدورها في تطوير المجتمعات، والأهم هو دعم المنظومة التعليمية والتربوية، وصولاً إلى مجتمعات منتجة وفاعلة.
ومن هذا المنطلق، فإن مهنة التدريب ليست بهذه السهولة التي يراها كثيرون؛ فهي عملية مقنَّنة وتحكمها معايير كثيرة؛ كونها تتعامل مع أفراد ومؤسسات ذات ثقافة عالية. ولكي يتم العمل في جو تسوده الثقة بين المؤسسات التي تقدم خدمة التدريب، والجهات المستفيدة منها، وصولاً إلى تعظيم العائد من التدريب، لا بد من توَّفُر معايير معينة يتم الاتفاق عليها، واعتبارها المرجعية في الأساس التعاقدي، (وهو ما نفتقده حاليًا)، حيث يطغى على العلاقة طابع الاجتهاد والآراء الشخصية، مما قد يؤثر سلبًا على مُخرجات المشروعات والعوائد المتوقعة منها، وينعكس بدوره على النظرة العامة لقطاع التدريب بطريقة سلبية.
يتطلب الانتقال إلى مرحلة الاحتراف في التدريب والتطوير الكثير من الجهد لزيادة الوعي بأهميته. وأستشهد هنا بتجربة تَحَّوُل ممارسة كرة القدم في معظم الدول العربية من الهواية إلى الاحتراف؛ مما اقتضى أن تفرض كل دول الخليج نظامًا ينص على حصول أي مدرب خليجي على رخصة التدريب الآسيوية «A» حتى يتمكن من الاحتراف. مع أن هذا لا يعني أبدًا أن المدرب قد بات مؤهلاً للنجاح في مشواره العملي والاحترافي؛ فالتدريب الرياضي مثله مثل باقي المهارات العملية، يحتاج إلى الكثير من الإمكانات والقدرات التي لا بد وأن تكون حاضرة إلى جانب التأهيل الأكاديمي.
ينطبق هذا تمامًا على مجال التدريب والتطوير الإداري؛ حيث نرى الكثيرين يتهافتون للحصول على الشهادات التي لا يرقى بعضها ليتعدَّى كونه ورقة مزخرفة لا تسمن ولا تغني من جوع؛ فنرى المسمَّيات الرنانة والمصطلحات الطَّنانة تُرافق هذه الفاعليات، دون أداء أو تطوير حقيقي وتنمية أصيلة للمهارات والقدرات التي يحصل عليها المتدرب.
قد يتساءل بعض القراء الكرام عن حلول لتغيير هذا الواقع، وعن آليات لتمييز الغث من السمين، والمبدع من المدعي، في ظل غياب المعايير المتفق عليها، وعدم وجود مرجعية واضحة للتقييم. فرغم وجود بعض المبادرات، لا توجد حتى الآن مرجعية واضحة في الوطن العربي، أو جهة مختصة في وضع معايير التدريب والمدربين، لكي تعتمد المؤهلات والأفراد والمختصين كما هو الحال في النماذج العالمية مثل:
- الجمعية الأمريكية للتدريب والتطوير ASTD؛
- وجمعية إدارة الموارد البشرية SHRM؛
- والنموذج البريطاني CIPD.
وفي ظل هذا الواقع، وحتى تبرز جهات تتبنى وضع معايير علمية وعامة، ستبقى – باعتقادي الشخصي – أهم معايير التقييم الذاتية للمشتغلين في التدريب، مدى ما قدمه المركز و/ أو المدرب للمجتمع وللمعرفة الإنسانية بشكل عام، وهو ما يوجِّه البوصلة نحو الاتجاه الصحيح. وحتى نخرج من هذه الدوامة، ونجد حلاً لهذه المعضلة، سيبقى واقع الحال المؤسف يقول: "كثرت الشهادات وقل المدربون".