يسعى المستثمرون من خلال المشاريع والاستثمارات التي يقومون بها، إلى
تحقيق منفعة مادية أو غير مادية. بيد أنه في ظل الفرص الاستثمارية العديدة
التي تزخر بها أيامنا هذه، يتوجب على المستثمرين تحديد المشروع الذي يمكن
أن يلبي متطلباتهم لتحقيق عائد الاستثمار المطلوب، وكذلك تقييم المخاطر
التي يمكن أن تواجههم أثناء تنفيذ المشروع المعني. وهنا، تبرز أهمية دراسة
الجدوى التي تمثل وثيقة مهمة تتضمن تحليلاً للجوانب التشغيلية والاقتصادية
والفنية للمشروع المزمع، إذ إنها تتناول جميع المسائل الرئيسية، ومنها
فاعلية المشروع وتكلفته وإمكانية تحقيقه، ومدة إنجازه، والفوائد المرجوة
منه، ومخاطره، وآلية تمويله.
ويجب أن يقدم تقرير دراسة الجدوى وصفاً واضحاً للأعمال التي يتضمنها
المشروع، والأهم من ذلك، الأعمال التي يستثنيها، بغض النظر عن طبيعته. كما
يجب أن يشتمل هذا الوصف على الأسباب التي تقف وراء التفكير في إقامة هذا
المشروع، وأهدافه المنشودة، ومخرجاته. أما بالنسبة إلى الأهداف، فيجب أن
تكون واضحة، وقابلة للقياس، ومقبولة، وواقعية، ومؤطرة بتكلفة ومدة زمنية.
فقد تفكر الحكومة، على سبيل المثال، في إقامة مشروع يهدف إلى حل مشكلة
الاختناق المروري في شوارع المدينة. ولبلوغ هذه الغاية، ستقوم الحكومة
بتحديد خيارات عديدة تشمل بناء جسور جديدة، وتحسين الشوارع الحالية، وتطبيق
رسوم على استخدام الطرق السريعة، وزيادة رسوم تسجيل السيارات وغير ذلك.
وهنا يجب دراسة كل خيار على حدة لقياس فاعليته، وإمكانية الموافقة عليه،
وواقعيته، وتكلفة إنجازه، والمدة التي يستغرقها حتى يتحقق. ويضاف إلى ذلك،
أن دراسة الجدوى يجب أن تتضمن التواريخ الرئيسية الملزمة للمشروع، لأن
الوقت يتسم بأهمية كبرى في معظم الحالات.
وبالنسبة إلى المشاريع
العقارية، يجب أن تتضمن دراسة الجدوى تحليلاً لموقع المشروع من حيث ملكيته،
ومدى توافر الخدمات العامة فيه، وسهولة الوصول إليه، وإمكانية التوسع
مستقبلاً، والتأثير البيئي وغير ذلك. وينبغي أن تحدد الدراسة الأطراف
المعنية الأساسية التي تؤثر قراراتها ومواقفها في نجاح المشروع. وهذه
الأطراف تشمل عادة، كحد أدنى، المالك والهيئات الحكومية والمؤسسة الممولة،
والمستأجرين والمستخدمين النهائيين الرئيسيين.
ولا بد أن تشمل دراسة
الجدوى، جميع الافتراضات والقيود التي يمكن أن تؤثر في الخيارات المتوافرة
لتسليم المشروع. وهذه الافتراضات تتمثل في الظروف أو الأحداث الخارجية
التي يمكن أن تؤثر في نجاح المشروع، في حين أن القيود هي العوامل التي تحد
من تلك الخيارات. فعلى سبيل المثال، قد تفترض شركة تطوير عقاري أنها تستطيع
تأمين 80 في المائة من تمويل المشروع من البنوك، وتعلم في الوقت ذاته، أن
قوانين البلدية ستحدد ارتفاع البرج بـ 40 طابقاً. وبالطبع، يمكن القول إن
الجدول الزمني والميزانية من القيود التي يجب أخذها في الاعتبار لدى دراسة
أي مشروع.
ويضاف إلى ذلك، أن دراسة الجدوى يجب أن تقدم أكثر من
سيناريو لتحقيق أهداف المشروع. وينبغي أن يتضمن كل سيناريو تفاصيل حول
إيجابيات وسلبيات الخيار المعني إلى جانب التكلفة المتوقعة لهذا السيناريو،
والفوائد المتوقعة منه لدى تطبيقه. ويجب أن يشمل التقييم الفوائد المادية
وغير المادية. فمشروع بناء مدارس، مثلاً، سيسهم في دعم استراتيجية البلد
الرامية إلى تعزيز التعليم ومكافحة الأمية. وسيكون ذلك ضرورياً من أجل وضع
الصيغة الصحيحة لمعادلة التكلفة والفائدة في كل سيناريو.
ويمكن أخذ
هذه السيناريوهات في عين الاعتبار لدراسة خيارات التمويل المتوافرة، وتحديد
الأسلوب الذي يجب اتباعه من أجل تحقيق أهداف المشروع. فقد تفكر الحكومة،
على سبيل المثال، في إشراك القطاع الخاص لتمويل وتشغيل المشروع بدلاً من
استخدام مواردها الخاصة بها. وبالطبع، يجب أن يتضمن كل سيناريو، تقييماً
للمخاطر المرتبطة به وتداعياتها المحتملة على المشروع.
من شأن ذلك
كله أن يجعل دراسة الجدوى قادرة على تقييم مختلف السيناريوهات وفق المعايير
المفضلة، ومن ثم التوصية بالسيناريو الأنسب من حيث القدرة على تحقيق أهداف
صاحب القرار.